کد مطلب:280427 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:238

العنکبوت و الدعوة
حذرت الدعوة الخاتمة من سلوك سبیل الذین كفروا من أهل الكتاب، لأن الدعوة تقیم وجهها للدین وتتجه بالبشریة إلی الأمام.

وتمدها علی امتداد الطریق بالزاد الفطری الذی یحقق السعادة فی الدنیا بما یوافق الكمال الأخروی، بینما تتقدم قافلة الذین كفروا إلی الخلف بزاد عذاب الطمس الذی ضربه الله علیهم بما كسبت أیدیهم، وعلی امتداد هذا الطریق. كلما بالغ أصحابه فی التقدم زادوا فی التأخر ولن یحصلوا علی السعادة الحقیقیة أبدا.

ومن الآیات التی حذر فیها الله من الذین كفروا من أهل الكتاب قوله تعالی: (یا أیها الذین آمنوا لا تتخذوا الیهود والنصاری أولیاء



[ صفحه 228]



بعضهم أولیاء بعض ومن یتولهم منكم فإنه منهم). [1] قال فی المیزان:

نهی عن مودتهم الموجبة إلی تجاذب الأرواح والنفوس، لأن ذلك یقلب حال المجتمع من السیرة الدینیة المبنیة علی سعادة اتباع الحق. إلی سیرة الكفر المبنیة علی اتباع الهوی وعبادة الشیطان والخروج عن صراط الحیاة الفطریة، وقوله تعالی: (بعضهم أولیاء بعض) أی لتضارب نفوسهم وتجاذب أرواحهم. المستوجب لاجتماع آرائهم علی اتباع الهوی والاستكبار عن الحق وقبوله، واتحادهم علی إطفاء نور الله سبحانه، وتناصرهم علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم والمسلمین، كأنهم نفس واحدة ذات ملة واحدة ولیسوا علی وحدة الملیة، لكن یبعث القوم علی الاتفاق ویجعلهم یدا واحدة علی المسلمین أن الإسلام یدعوهم إلی الحق. ویخالف أعز المقاصد عندهم وهو اتباع الهوی والاسترسال فی مشتهیات النفس وملاذ الدنیا، فهذا هو الذی جعل الطائفتین الیهود والنصاری علی ما بینهما من الشقاق والعداوة مجتمعا واحدا، یقترب بعضه من بعض ویرتد بعضه إلی بعض، یتولی الیهود النصاری وبالعكس. ویتولی بعض الیهود بعضا وبعض النصاری بعضا، وبالجملة: لا تتخذوهم أولیاء لأنهم علی تفرقهم وشقاقهم فیما بینهم یدا واحدة علیكم. لا نفع لكم فی الاقتراب منهم بالمودة والمحبة، وربما أمكن أن یستفاد من قوله بعضهم أولیاء بعض معنی آخر وهو:

أن لا تتخذوهم أولیاء لأنكم إنما تتخذونهم أولیاء لتنتصروا ببعضهم الذین هم أولیاؤكم علی البعض الآخر، ولا ینفعكم ذلك. فإن بعضهم أولیاء بعض فلیسوا ینصرونكم علی أنفسهم. [2] .

ومن آیات التحذیر أیضا قوله تعالی: (ألم تر إلی الذین أوتوا



[ صفحه 229]



نصیبا من الكتاب یشترون الضلالة ویریدون أن تضلوا السبیل والله أعلم بأعدائكم وكفی بالله ولیا وكفی بالله نصیرا) [3] قال فی المیزان: أی أنك تری الیهود الذین أوتوا نصیبا من الكتاب. أی حظا منه لا جمیعه كما یدعون لأنفسهم، یشترون الضلالة وتختارونها علی الهدی ویریدون أن تضلوا السبیل، فإنهم وإن لقوكم ببشر الوجه. وظهروا لكم فی زی الصلاح. واتصلوا بكم اتصال الأولیاء الناصرین. فذكروا لكم ما ربما استحسنته طباعكم واستصوبته قلوبكم، لكنهم ما یریدون إلا ضلالكم عن السبیل كما اختاروا لأنفسهم الضلالة، والله أعلم منكم بأعدائكم.

وهم أعداؤكم، فلا یغرنكم ظاهر ما تشاهدون من حالهم، فإیاكم أن تطیعوا أمرهم أو تصغوا إلی أقوالهم المزوقة وإلقاءاتهم المزخرفة وأنتم تقدرون أنهم أولیاءكم وأنصاركم، فأنتم لا تحتاجون إلی ولایتهم الكاذبة ونصرتهم المرجوة، وكفی بالله ولیا وكفی بالله نصیرا، فأی حاجة مع ولایته ونصرته إلی ولایتهم ونصرتهم. [4] .

ومنها قوله تعالی: (ولن ترضی عنك الیهود ولا النصاری حتی تتبع ملتهم. قل إن هدی الله هو الهدی ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذی جاءك من العلم مالك عن الله من ولی ولا نصیر)، [5] قال فی المیزان:

أی. إن هؤلاء لیسوا براضین عنك حتی تتبع ملتهم التی ابتدعوها بأهوائهم ونظموها بآرائهم، ثم أمر الله رسوله بالرد علیهم بقوله قل إن هدی الله هو الهدی أی إن الاتباع إنما هو لفرض الهدی ولا هدی إلا هدی الله، أما غیره وهو ملتكم لیس بالهدی، فهی أهوائكم ألبستموها لباس الدین وسمیتموها باسم الملة، [6] وقال ابن كثیر: وقوله تعالی:



[ صفحه 230]



(ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذی جاءك من العلم... الآیة) فیه تهدید ووعید شدید للأمة عن اتباع طریق الیهود والنصاری، بعد ما علموا من القرآن والسنة، والخطاب مع الرسول والأمر لأمته، وقد استدل كثیر من الفقهاء بقوله حتی تتبع ملتهم حیث أفرد الملة علی أن الكفر كله ملة واحدة. [7] .

وبالجملة: حذر الله تعالی الأمة من تنظیمات أهل الكتاب.

التی لها أهداف قریبة وأهداف بعیدة، والتی یحمل أعلامها الفرق المختلفة والطوائف المختلفة، قال تعالی: (یا أیها الذین آمنوا إن تطیعوا فریقا من الذین أوتوا الكتاب یردوكم بعد إیمانكم كافرین) [8] قال المفسرون: یحذر تبارك وتعالی عباده المؤمنین عن أن یطیعوا فریقا من أهل الكتاب. الذین یحسدون المؤمنین علی ما آتاهم الله من فضله، كما قال تعالی: (ود كثیر من أهل الكتاب لو یردونكم من بعد إیمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم)، [9] وهكذا قال ههنا (إن تطیعوا فریقا من الذین أوتوا الكتاب یردوكم بعد إیمانكم كافرین) وفی آیة أخری قال تعالی:

(ودت طائفة من أهل الكتاب لو یضلونكم). [10] .

وباختصار: فالقاعدة العریضة منهم ودوا لو یردون الذین آمنوا من بعد إیمانكم كفارا، وهناك فرق حملت أعلام هذه القاعدة وانطلقت رجاء تنفیذ هذا الهدف، وهناك طائفة من أهل الكتاب مهمتها إطفاء الأنوار رغبة منها فی أن تضل قافلة الذین آمنوا عن الطریق، والمعنی:

أن الطائفة فی خدمة الفریق والفریق فی خدمة القاعدة. ولیس معنی



[ صفحه 231]



هذا إن قاعدة أهل الكتاب خالیة من العلماء الذین یبحثون عن الحقیقة.

فهؤلاء أثر أقدامهم علی الطریق. والإسلام لم یغلق أبوابه أمام الذین یریدون الاستبصار منهم فی الدین، وقد أمر الله تعالی بمجادلتهم بالتی هی أحسن. فقال تعالی فی آیة محكمة (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتی هی أحسن إلا الذین ظالموا منهم) [11] وقوله: (إلا الذین ظلموا منهم) یعنی أهل الحرب، وذكر تعالی فی كتابه. إن الذین قالوا أنهم من أتباع عیسی علیه السلام وعلی منهاج إنجیله، فیهم مودة للإسلام وأهله، وما ذاك إلا لما فی قلوبهم من الرقة والرحمة، ویوجد فیهم قسیسون وهم خطباؤهم وعلماؤهم ورهبانا، من صفتهم بأن فیهم العلم والعبادة والتواضع والانقیاد للحق واتباعه والإنصاف، وإذا سمعوا ما أنزل علی الرسول الخاتم (ص). تری أعینهم تفیض من الدمع مما عرفوا من الحق، قال تعالی: (ولتجدن أقربهم مودة للذین آمنوا الذین قالوا إنا نصاری ذلك بأن منهم قسیسین ورهبانا وإنهم لا یستكبرون. وإذا سمعوا ما أنزل إلی الرسول تری أعینهم تفیض من الدمع مما عرفوا من الحق. یقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدین. وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن یدخلنا ربنا مع القوم الصالحین)، [12] فهذا الصنف من النصاری كان أول ظهوره بالحبشة فی النجاشی وأصحابه، وهم المذكورین فی قوله تعالی: (وإن من أهل الكتاب لمن یؤمن بالله وما أنزل إلیكم وما أنزل إلیهم خاشعین لله)، [13] وهم الذین قال الله فیهم (الذین آتیناهم الكتاب من قبله هم به یؤمنون. وإذا یتلی علیهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمین)، [14] ومنذ أیام النجاشی



[ صفحه 232]



وعلی امتداد المسیرة الإسلامیة، لم تغلق الدعوة أبوابها فی وجوه الذین یریدون الاستبصار فی الدین، لأن الله تعالی أمر رسوله الخاتم (ص). أن یدعو الخلق إلی الله بالحكمة. والموعظة الحسنة لیحذروا بأس الله تعالی، وأمره تعالی أن من احتاج من الناس إلی مناظرة وجدال، فلیكن بالوجه الحسن برفق ولین وحسن خطاب.

فمن هذه النصوص ومن غیرها نعلم أن الدعوة الإلهیة الخاتمة حذرت من اتباع أی مشروع تقدمه الطوائف أو الفرق التی تهدف من وراء برامجها الصد عن سبیل الله، وفی نفس الوقت فتحت الدعوة أبوابها للباحثین عن الحقیقة من أهل الكتاب لتقیم الحجة علیهم وعلی غیرهم فی كل مكان وزمان..



[ صفحه 233]




[1] سورة المائدة آية 51.

[2] تفسير الميزان 373 / 5.

[3] سورة النساء آية 45.

[4] الميزان 363 / 4.

[5] سورة البقرة آية 120.

[6] الميزان 265 / 1.

[7] ابن كثير في التفسير 163 / 1.

[8] سورة آل عمران آية 100.

[9] سورة البقرة آية 109.

[10] سورة آل عمران آية 69.

[11] سورة العنكبوت آية 46.

[12] سورة المائدة آية 82.

[13] سورة آل عمران آية 199.

[14] سورة القصص آية 52.